فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}.
أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: لما نزلت: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف يا رب والغضب، فنزل {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ...} الآية».
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ} قال: علم الله أن هذا العدو مبتغ ومريد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفثه ونفخه. قال: همزه الموتة، ونفثه الشعر: ونفخه الكبرياء». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ} الآية.
قال: عبدُ الرحمن بن زيد: لما نزل قوله: {خُذِ العَفْوَ} الآية: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «كيف يا رب بالغضب؟».
فنزل قوله: {وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ} الآية والنَّزْغُ: أدنى حركة تكونُ، قاله الزَّجَّاجُ، ومن الشَّيطان أدنى وسوسة وقال عبد الرحمن بن زيد لما نزلت: قوله وأكثر ما يُسْند للشيطان؛ لأنه أسرعُ في ذلك وقيل النَّزْغُ الدخول في أمر لإفساده.
وقال الزمخشري: والنَّزغُ والنِّسْغُ: الغَرْزُ والنَّخْسُ، وجعل النزغ نازغًا كما قيل جَدَّ جَدُّه يعني: قصد بذلك المبالغة.
وقيل: النَّزغ: الإزعاج، وأكثرُ ما يكون عند الغضب وأصله الانزعاج بالحركة إلى الشَّرِّ، وتقريره: أنَّ الآمر بالمعروف إذا أمر بما يهيج السفيه ويظهر السَّفاهة فعند ذلك أمره اللَّه بالسكوت عن مقابلته فقال: {وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين} ثُمَّ أمره الله تعالى بما يجري مجرى العلاجِ بهذا المرض إن حدث فقال: فاستَعِذْ باللَّهِ وهذا الخطابُ وإن كان للرَّسُول إلاَّ أنه عام لَجميع المكلفين.
وقد تقدَّم الكلامُ في الاستعاذة؛ وقوله: {إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يدلُّ على أنَّ الاستعاذة باللِّسانِ لا تفيدُ إلاَّ إذا حضر في القلب العلم بمعنى الاستعاذة، فكأنَّه تعالى يقول: اذكر لفظ الاستعاذة بلسانك، فإني سميع، واستحضر معنى الاستعاذة بقلبك، وعقلك فإني عليمٌ بما في ضميرك. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم} وفى سورة حم السجدة فصلت: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} فوردت الصفتان في سورة الأعراف على طريقة التنكير ووردتا في السورة الأخرى معرفتين وزيد قبلهما الضمير الواقع فصلا فقيل: {إنه هو} وللسائل أن يسأل عن وجه التعريف والتنكير؟وعن زيادة الضمير؟
والجواب عن السؤالين: أن سورة الأعراف تقدم فيها قبل الآية وصف آلهتهم المنحوتة من الحجارة والخشب التي وبخوا بعبادتها في قوله في موضع آخر: {أتعبدون ما تنحتون} فوصفت هنا بأنها لا تخلق شيئا ولا يستطيعون لهم نصرا {وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون} فنفى عنهم القدرة والسمع والبصر وآلة المشى وآلة البطش بقوله: {ألهم أجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها} ولم يتقدم هنا ما يوهم أدنى شيء يلحقها بشبه الأحياء فضلا عما فوق ذلك فورد الصفتان بقوله: {سميع عليم} موردا لم يتقدمه ما يوهم صلاحية شيء من ذلك لغيره تعالى مما عبدوه من دونه مما قصد هنا ولا ذكر دعوى شيء من ذلك من مدع فيستدعى ذلك التوهم مفهوما ينفيه فجاء على ما يجب.
أما آية الأعراف فتقدم قبلها قوله تعالى: {ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعلمون} وقوله تعالى: {وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم} وقوله تعالى: {أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس} فحصل من هذا أن مضليهم إنما كانوا من عالم الإنس والجن وكلا الصنفين موصوف بالسمع والبصر وممن ينسب إليه علم بخلاف المقدم ذكر في الأعرفا فلما تقدم في سورة السجدة من يظن منه الغنى ويمكن منه أن يسمع ويبصر ويعلم ناسبه التعريف في الصفة ليعطى بالمفهوم نفى ذلك عن غير الموصوف بهما تعالى ثم أكد ذلك بضمير الفصل المقتضى التخصيص فقوى المفهوم المسمى عند كثير من الأصوليين بدليل الخطاب فصار الكلام في قوم أن لو قيل: الله هو السمبع العليم لا غيره وأحرز الفصل بالضمير هذا المعنى مع إعطاء المفهوم إياه ولم يكن ورود ما في سورة الأعراف من التنكير ليناسب الوارد متقدما في سورة السجدة ولا التعريف الوارد في الصفتين العليتين في سورة السجدة ليناسب ما تقدم آية الأعراف فجاء كل على ما يناسب والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)}.
إنْ سَنَح في باطنك من الوساوس أَثَرٌ فاستعِذْ بالله يدركك بحسن التوفيق، وإنْ هَجَسَ في صدرك من الحظوظ خاطر فاستعِذْ بالله يدركك بإزالة كل نصيب، وإنْ لَحِقَتْكَ في بذل الجهد فَترَةٌ فاستعذْ بالله يدركك بإِدامة آلائه، وإنْ اعْتَرتْكَ في الترقي إلى محل الوصول وقفةٌ فاستعِذْ بالله يدركك بإدامة التحقيق، وإنْ تقاصر عنك شيء من خصائص القرب- صيانةً عن شهود المحل- فاستعِذْ بالله يُثْبِتْك له بدلًا مِنْ لَكَ بِكْ. اهـ.

.كلام نفيس لابن القيم في الاستعاذة:

قال عليه الرحمة:
معنى {استعذ بالله} امتنع به واعتصم به والجأ إليه، ومصدره العوذ، والعياذ، والمعاذ؛ وغالب استعماله في المستعاذ به، ومنه قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: «لَقَدْ عُذْتِ بمُعَاذٍ».
وأصل اللفظة: من اللجأ إلى الشيء والاقتراب منه، ومن كلام العرب أطيب اللحم عوذه أي الذي قد عاذ بالعظم واتصل به. وناقة عائذ: يعوذ بها ولدها، وجمعها عوذ كحمر. ومنه في حديث الحديبية: «مَعَهُمُ العُوذُ المَطَافِيلُ».
والمطافيل: جمع مطفل، وهى الناقة التي معها فصيلها.
قالت طائفة منهم صاحب جامع الأصول: استعار ذلك للنساء، أي معهم النساء وأطفالهم، ولا حاجة إلى ذلك، بل اللفظ على حقيقته. أي قد خرجوا إليك بدوابهم ومراكبهم حتى أخرجوا معهم النوق التي معها أولادها، فأمر سبحانه بالاستعاذة به من الشيطان عند قراءة القرآن. وفى ذلك وجوه:
منها: أن القرآن شفاء لما في الصدور يذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة، فهو دواء لما أمَرَّه فيها الشيطان، فأمر أن يطرد مادة الداء ويخلى منه القلب ليصادف الدواء محلًا خاليا، فيتمكن منه، ويؤثر فيه، كما قيل:
أَتَانِى هَوَاهَا قَبْلَ أَنْ أَعْرِفَ الْهَوى ** فَصَادَفَ قَلْبًا خَالِيًا فَتَمَكّنَا

فيجىء هذا الدواء الشافى إلى قلب قد خلا من مزاحم ومضاد له فينجع فيه.
ومنها: أن القرآن مادة الهدى والعلم والخير في القلب، كما أن الماء مادة النبات، والشيطان نار يحرق النبات أولا فأولا، فكلما أحس بنبات الخير في القلب سعى في إفساده وإحراقه، فأمر أن يستعيذ بالله عز وجل منه لئلا يفسد عليه ما يحصل له بالقرآن.
والفرق بين هذا الوجه والوجه الذي قبله، أن الاستعاذة في الوجه الأول لأجل حصول فائدة القرآن، وفى الوجه الثاني لأجل بقائها وحفظها وثباتها.
وكأن من قال: إن الاستعاذة بعد القراءة لاحظ هذا المعنى، وهو لعمر الله ملحظ جيد، إلا أن السنة وآثار الصحابة إنما جاءت بالاستعاذة قبل الشروع في القراءة وهو قول جمهور الأمة من السلف والخلف، وهو محصل للأمرين.
ومنها: أن الملائكة تدنو من قارئ القرآن وتستمع لقراءته. كما في حديث أُسيد ابنُ حضَير لما كان يقرأ ورأى مثل الظلة فيها مثل المصابيح، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «تِلْكَ المَلائِكُة».
والشيطان ضد الملك وعدوه. فأمر القارئ أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه حتى يحضره خاصته وملائكته، فهذه وليمة لا يجتمع فيها الملائكة والشياطين.
ومنها: أن الشيطان يجلب على القارئ بخيله ورجله، حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد به المتكلم به سبحانه، فيحرص بجهده على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن، فلا يكمل انتفاع القارئ به، فأمر عند الشروع أن يستعيذ بالله عز وجل منه.
ومنها: أن القارئ مُناجٍ لله تعالى كلامه، والله تعالى أشد أذنًا للقارئ الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته. والشيطان إنما قراءته الشعر والغناء. فأمر القارئ أن يطرده بالاستعاذة عند مناجاته تعالى واستماع الرب قراءته.
ومنها: أن الله سبحانه أخبر أنه ما أرسل من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته، والسلف كلهم على أن المعنى: إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته. كما قال الشاعر في عثمان:
تَمنَّى كِتَابَ اللهِ أَوَّلَ لَيْلِهِ ** وَآخِرَهُ لاقَى حِمَامَ المَقَادِرِ

فإذا كان هذا فعله مع الرسل عليهم الصلاة والسلام فكيف بغيرهم؟ ولهذا يغلط القارئ تارة ويخلط عليه القراءة، ويشوشها عليه، فيخبط عليه لسانه، أو يشوش عليه ذهنه وقلبه، فإذا حضر عند القراءة لم يعدم منه القارئ هذا أو هذا، وربما جمعهما له، فكان من أهم الأمور: الاستعاذة بالله تعالى منه عند القراءة.
ومنها: أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهم بالخير، أو يدخل فيه فهو يشتد عليه حينئذ ليقطعه عنه، وفى الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنّ شَيْطَانًا تَفَلّتَ عَلَىَّ البَارِحَةَ، فأَرَادَ أَنْ يَقْطَعَ عَلَىَّ صَلاتِي» الحديث.
وكلما كان الفعل أنفع للعبد وأحب إلى الله تعالى كان اعتراض الشيطان له أكثر. وفى مسند الإمام أحمد من حديث سبرة بن أبى الفاكه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنّ الشّيْطَانَ قَعَدَ لابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإسْلامِ، فَقَالَ: أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وآبَاءِ آبَائِكَ؟ فعصاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: أَتُهاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَماءَكَ؟ وَإِنَما مَثَلُ المهَاجِرِ كالفَرَسِ في الطول فَعَصَاهُ وَهاجَر، ثُمَّ قعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، وَهُوَ جِهَادُ النَّفْسِ وَالمَال فقال: تقَاتِلُ فَتُقْتَلُ، فَتُنْكَحُ المَرْأَةُ وَيُقْسَمُ المَالُ؟ قَالَ: فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ».
فالشيطان بالرصد للإنسان على طريق كل خير.